الرياح الساخنة
قرأت بشغف شديد بريد الجمعة بعنوان فراش الشيطان ورأيت أنه من واجبي الديني أن أرد علي صاحبة الرسالة للاستفادة من تجربتي, وقبل أن أبدأ الحديث أود أن أعرفك بنفسي فأنا أستاذ جامعي أقرأ في جميع مجالات العلوم الدنيوية والدينية, ولي أبحاث ودراسات في العلوم الإنسانية والقانونية, وقد أثرت أن أعرفك بنفسي ليس من باب الحديث عن نفسي ولكن كي تعلم أنني لست إنسانا جاهلا أو محدود المعرفة. بداية ما حدث للسيدة الكريمة حدث لزوجتي منذ سنوات, وقد بدأ الموضوع بأحلام وكأنها في حالة جماع في الحلم ثم تكرر هذا الحلم, ثم بدأت تشعر بنفس بجوارها, ثم بدأت تحس بوجود جسد بجانبها في الفراش رغم أنها لا تبتعد عني ونعيش حياة جميلة هادئة, ولا توجد مشاكل بفضل الله بيننا, وهي علي خلق كريم ونؤدي نحن وأولادنا فرائض الله ونسارع في فعل الخيرات ونتلمس الأخلاق الكريمة في كل تصرفاتنا والله المطلع, وفوجئت عقب ذلك بأنها يحدث لها حالات إغماء متكررة فتوجهت بها إلي الأطباء وبتوقيع الكشف الطبي عليها وإجراء مختلف التحاليل والأشعة علي جميع أجزاء الجسم تبين أنها سليمة من الناحية العضوية, فعرض علي أحد الأطباء أن اعرضها علي طبيب نفسي وبالفعل توجهت إلي أكبر الأساتذة وبدأ الطبيب يعالجها علي أنها حالة اكتئاب, رغم أن زوجتي أكدت له أنها ليس لديها أي أسباب تدعو للاكتئاب, ولكنه أصر وأعطاها أدوية عديدة ولكن الحالة ازدادت سوءا. وبعد فترة بدأت انتبه إلي أن زوجتي يحدث لها حالة الإغماء كلما اقتربت منها, فبدأ هذا السلوك يجذب انتباهي, وفي كل مرة كنت ابتعد عنها إلي أن صممت مرة ألا ابتعد عنها فقالت لي أرجوك ابعد عني لأن عندي احساس, أني سوف أؤذيك, ولكني لم ابتعد ففوجئت بزوجتي تفتح فمها بطريقة غريبة, وتغيرت ملامح وجهها, ثم بدأت تضحك ضحكات هستيرية, وبدأت تحدثني ولكن ليس بصوتها وإنما بصوت رجل صوته خشن قائلا لي:ابعد عني أحسن أؤذيك, وانتابتني حالة من الهلع وبعدت بالفعل, ثم نامت زوجتي وبدأت علي الفور في اليوم التالي اشتري الكتب واطلع علي مواقع النت عن الجن والسحر. وعرفت بعد ذلك أن الجن قد يتلبس بالإنسان لأسباب كثيرة منها الدخول في مكان مهجور أو الغناء في الحمام, أو عدم ذكر اسم الله أثناء خلع الملابس أو غير ذلك, ومن أسباب التلبس الأذي في حالة قيام الإنسان, بإيذاء أحد اتباع الجن دون قصد كأن يلقي ماء ساخنا في الحمام أو بسبب السحر أو الأعمال وقد يكون دخوله الإنسان بسبب العشق والحب. لا أطيل عليك, بعد ما قرأت هذه المعلومات استجمعت نفسي واقتربت من زوجتي مرة أخري فحدث لها ما حدث المرة السابقة,, ولكن في هذه المرة تحدثت معه قائلا: ماذا تريد؟ فأجابني ابعد عنها لأنها زوجتي, قلت له, هذا لا يحل لك, قال أنا أحبها, قلت له هذا اعتداء وظلم وقال الله تعالي:وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين, فبدأ يضحك ساخرا فقلت له سأستعين بالله عليك, فبدأت زوجتي ترتعد, فبدأت أقرأ عليها سورة البقرة فبدأ جسدها ينتفض وتضغط علي أسنانها, ثم قرأت الزلزلة ثم الصافات ثم آية الكرسي ثم المعوذتين, فطلب مني أن أسكت وسوف يخرج ولكنه راوغني, فأحسست بالتعب بعدها, وفي اليوم التالي بدأت أقرأ علي زوجتي نفس السور السابقة وزدت عليها الرقية الشرعية, فبدأت تضحك بنفس الصوت ثم تبكي وظللت علي ذلك الحال يوميا وكان يغمي عليها أثناء القراءة وأنا استمر وكان يتوعدني بالإيذاء فاقرأ عليه قوله تعالي:ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد وقوله تعالي إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور وإذا ضحك قرأت قوله تعالي إنا كفيناك المستهزئين وقوله تعالي وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا علي قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا واستمر الحال علي ذلك عدة أشهر, وفي إحدي المرات فوجئت بزوجتي تفتح فمها بشدة ووجدت رياحا ساخنة تخرج من فمها ثم أغمي عليها, وعندما أفاقت احست براحة شديدة وكأن شيئا ثقيلا نزل من فوق كتفيها وبعدها زال عنها كل ما كان يحدث لها من أحلام أو أعراض وأصبحت طبيعية جدا. ولذلك أوجه لك هذه الرسالة أولا لكي تسأل أحد الفقهاء المسلمين وتتأكد من تلبس الجن بالإنسان حيث يقول الله تعالي:الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. كما انصح الأخت الكريمة بالآتي: أن تصارح زوجها وأن يستعينا بالله علي الشيطان وأن يصدقها فيما تقول. ألا تنام بمفردها وأن تستر نفسها أثناء النوم. أن تقرأ سورة الكرسي والإخلاص والمعوذتين ثلاثا قبل النوم. إذا حضرها الجن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ولا تخاف وتردد الآيات السابقة. إذا أخافها الجن تقرأ قوله تعالي:إن كيد الشيطان كان ضعيفا وقوله تعالي ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد. تستمر هي وزوجها علي قراءة القرآن والرقية الشرعية وأن تتصدق بنية الشفاء, وأن يكون لديها يقين أن الشيطان ضعيف لا يستطيع الإيذاء, وأن الله القاهر فوق عباده, إذا أغمي عليها يقرأ زوجها سورة الزلزلة والمعوذتين ويؤذن في أذنها اليمني ويقرأ قوله تعالي فأحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالي الله الملك الحق لا الله إلا هو رب العرش الكريم, وقوله وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا. ويمكن أن تستعين بأحد الشيوخ التقاة الذي يعالجها بحضور زوجها وبالقرآن فقط. * سيدي.. لست وحدك الذي أرسل لي هذا التصور, أو حكي لي حكاية مشابهة, فمن الأسبوع الماضي وبعد نشر رسالة فراش الشيطان وأنا أتلقي هاتفيا وعبر البريد آراء تتبني هذا المنهج في التفكير, وأعرف أن الكثيرين في مصر والعالم العربي, يؤمنون بكل أو ببعض ما قلته في رسالتك. وعلي الرغم من رفضي لهذا المنطق في التفكير, وحرصي علي عدم ترويجه, لأننا مجتمعات تؤمن بالخرافة وتميل إلي تصديقها, وتبتعد ما استطاعت عن المنهج العلمي, هروبا من الاعتراف بالمرض أو ركونا إلي القوي الخارقة الخفية, حتي لا تتحمل المسئولية عن سلوك خاطئ, فتريح بالها وتلقي اهتماما وتبرئة مما اقترفته. وقبل أن أرد علي ما جاء برسالتك مستعينا بعالم من الأزهر الشريف ـ كما طلبت ـ وبرسائل بعض القراء في نفس الصفحة, أعود وأكرر, أن صاحبة رسالة فراش الشيطان, كانت تعامل زوجها معاملة سيئة وتمتنع عنه في الفراش, وتشعر بتميزها عليه بمال والدها, قبل أن تستمع إلي هذا الصوت في فراشها, لذا فدعنا نتحاور حول ما قلته, خاصة أنك استاذ جامعي ولك أبحاث ودراسات في العلوم الإنسانية, وهذا ما استفزني وجعلني أميل إلي نشر رسالتك, مغلقا بعد ذلك الحوار حول هذا الموضوع, لأننا في حاجة إلي مناقشة قضايانا الاجتماعية بأسلوب علمي, حتي ننهض بأمتنا التي ما تأخرت إلا بسبب الركون إلي هذا المنهج في التفكير. سيدي.. عرضت ما جاء في رسالتك علي الأستاذ الدكتور مبروك عطية رئيس قسم اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر وقال لي:قال الإمام الشافعي( من قال إنه يري الجن فاسق لا تقبل شهادته لأنه يناقض قول الله تعالي إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم), وإجماع علماء المسلمين علي أن الشيطان وذريته جميعا لا يملكون للإنسان إلا الوسوسة, ومعناها في اللغة صوت الحلي, أي ليس لها صوت صارخ ولا قوة له, إلا أن الإنسان لمرض فيه وعلة تعتريه يكبر هذا الصوت فيتوهم أنه يسمعه ويشعر به.. وقد ثبت أن للشيطان وحيا هكذا قال الله تعالي في سورة الأنعام وإن الشياطين ليوحون إلي أوليائهم ليجادلوكم وإن اطعتموهم إنكم لمشركون وتفسير الآية في جميع مصادر التفاسير المعتمدة, أن وحي الشيطان هو الخواطر السيئة التي يلقي بها في قلب وليه, وولي الشيطان هو الذي يستجيب له ويترك هدي الله الذي بينه في القرآن الكريم. أما مس الشيطان فهو كناية عن الصرع, وهناك حديث نبوي أن الشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم في العروق وهي كناية عن ملازمته له, كما تقول لصاحبك أنت في قلبي وفي عيني. ويواصل د. مبروك عطية: يستند البعض في ادعاءاتهم بالمس أو اللبس إلي الآية الكريمة في سورة البقرة فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ولا يتوقفون أمام الآية اللاحقة لها وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ومعلوم أن أول الآية واتبعوا ما تتلو الشياطين علي ملك سليمان فهي تتحدث عن زمان مضي في عهد نبي سبق, أما في عهد محمد صلي الله عليه وسلم فالآية من سورة فصلت فيها العلاج كله وهي قوله تعالي:وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله, فاليقين أننا إذا قلنا نعوذ بالله من الشيطان فقد ذهب شر الشيطان كله. أمرنا الله سبحانه وتعالي بقراءة القرآن وماتيسر منه, والإجماع علي أننا متعبدون بتلاوة القرآن وتدبر معانيه والسير علي هديه لتستقيم حياتنا عملا وعبادة, وليس فيه سورة معينة لفرض معين, كالرزق والزواج وعلاج الشيطان والجن, وغير ذلك مما يدعيه الذين يريدون به عملا وربحا ولا سند صحيح في ذلك. وينتهي العالم الإسلامي في كلامه, أنه لم يرد عن علماء المسلمين عبر العصور المتعاقبة, أن الجن يلبس الإنسان أو يؤذيه, أو أن هناك آيات يمكنها علاج هذه الادعاءات, وما نراه ليس إلا وساوس شيطان وأمراضا نفسية تحتاج إلي أطباء لا إلي دجالين. سيدي... حديثك عن الغناء في الحمام أو سكب ماء ساخن أو إيذاء الجن دون قصد, وغيرها من الحكايات القديمة التي ارتبطت بالخلاء والظلام, عندما كان الناس يقضون حاجاتهم في خرابات نائية, أما الآن فقد أجاز العالم الجليل الدكتور يوسف القرضاوي الاستماع إلي القرآن الكريم في دورات المياه الحديثة النظيفة التي يجري فيها الماء ولا تبقي فيها الفضلات.. فهل يجوز الآن مثل هذا الكلام؟! مرة أخري, كل من يعتقد في مثل تلك الخرافات عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان ويذهب إلي طبيب أو معالج متخصص, وأن يصلح من نفسه ويراعي الله في تصرفاته, وبهذا ينصلح حالنا.. وحال أمتنا, وإلي لقاء بإذن الله |