[size=24]
لم أكتب إليكم إلا بدافع من الواجب وعرفانا مني بمعروف قد أسدي إلي يوما ما فغير حياتي. وإن كنت في أزمة كبيرة الآن أحتاج فيها إلي رأيكم ومعاونتكم. قصتي تبدأ يا سيدي منذ خمسة أعوام ونصف العام تقريبا وقت أن كان عمري سبعة وعشرين عاما, أنتمي إلي أسرة متوسطة ونعيش في إحدي مدن الدلتا الصغيرة. فبعد أن تخرجت في كليتي وقررت البحث عن عمل لم أجد وظيفة إلا في مجالات المبيعات المختلفة وبرغم أنها ليست من صميم تخصصي فإنني عملت فيها مضطرا في بادئ الأمر ولكنني أحببت هذا المجال جدا فعملت فيه بكل جهدي وطفت في مدن مصر شمالها وجنوبها وذلك أكسبني خبرة كبيرة, ففي يوم من الأيام كنت في إحدي مدن مصر الكبيرة أنهي عملا هناك وكنت قد أجهدت كثيرا في ذلك اليوم, ولكنني تماسكت حتي وصلت إلي محطة القطار وتوجهت إلي بوفيه المحطة لأشرب كوبا من الشاي, وجدت كل الطاولات مشغولة تقريبا, وبينما عيناي تدوران هنا وهناك أبحث لي عن مكان خال لمحت رجلا في نهاية الأربعينيات من العمر تبدو عليه ملامح الوقار والغني فنظر إلي فوجد عيني المحمرتين من فرط الاجهاد تبحثان عن مكان بين الجلوس فأومأ لي برأسه أن أجلس بجانبه فذهبت وألقيت عليه التحية وشكرته وجلست وتبادلنا الحديث في مواضيع عامة. وقبل أن أنتهي من كوب الشاي, غادر الرجل متعجلا لأن قطاره كان علي وشك التحرك ولما أردت أن أنصرف بعدها بنحو ربع الساعة وجدت الرجل وقد دفع حسابي دون أن يشير إلي ذلك كما فوجئت بأنه قد نسي حقيبة أخري كانت معه ولكني لم أرها منذ البداية. لم تمض خمس دقائق حتي كنت خارجا من البوفيه وفي يدي حقيبتان, حقيبتي وحقيبة الرجل. وبعد أن عدت من سفري دخلت حجرتي وأغلقتها علي نفسي وقبل أن أنام لم أتردد لحظة في فتح الحقيبة فهذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة الطريق إلي صاحبها فوجدت بداخلها مبلغا كبيرا من المال وكان معظمه دولارات وبرغم ذلك لم يهمني بقدر ما أهمني أن أجد ما يدل علي صاحبها وكيف أصل إليه. وأحمد الله أنني وجدت أوراقا وفواتير تدل علي مصنع كبير وشركة صناعية كبيرة في محافظتنا. في الصباح ذهبت إلي المصنع الذي وجدت اسمه في الحقيبة ولكني لم أعرف مقابلة من؟! فوجدت لساني ينطق تلقائيا بأنني أريد مقابلة صاحب الشركة برغم أنني لا أعرف إذا كان هو صاحبها أم أحدا غيره. ولم تكن مفاجأة كبيرة لي أن يكون هو نفسه من كان يجلس بجانبي بالأمس فعرفني لما رآني وسلم علي وكأنه يحس أنني قادم ومعي ضالته ثم سلمتها له وأنا اعتذر عن اضطراري لكسرها برغم أنه كان ضروريا. ومع أنه كان فرحا بعودة الحقيبة له ولكنه كان أكثر فرحا بي ولم يتركني إلا بعد موافقتي علي تناول الغداء معه في بيته وتواصل الحديث عن العمل ومواضيع شتي وقبل أن أهم بالانصراف قال لي إذا كنت تريد أن تعمل معي فسيكون ذلك شيئا يسعدني وسيكون ذلك في نفس مجالك في المبيعات أما عن الخبرة في مجالنا فسأعلمك بنفسي. فرحت جدا بذلك لأنها فرصة عمل أفضل بكثير من عملي الحالي, الآن مر ما يزيد علي خمس سنوات وأنا أعمل معه عرفت خلالها أنه رجل خير لدرجة كبيرة جدا أحسبه كذلك ولا أزكيه علي الله. وفي كل يوم موقف وفي كل يوم قصة ولكن أفضل وأغرب ما سمعته هي قصة الفتاة التي جاءت لتعمل عاملة في المصنع منذ اثني عشر عاما ولم تكن تحمل إلا شهادة متوسطة نظرا لظروف عائلتها ولأنه أحس بحلمها في إكمال تعليمها, تبناها وأنفق عليها حتي حصلت علي مؤهل عال ثم الماجستير والدكتوراه وطوال سنوات الدراسة لم تكن تحضر للمصنع إلا4 ساعات فقط حسب جدولها الدراسي الذي كان يتابعه بنفسه وكأنها ابنته التي أنجبها وكلما حصلت علي شهادة أعلي حصلت علي ترقية في الشركة حتي أصبحت الآن رئيسة الحسابات بالشركة وعضوا في مجلس إدارتها وقد التحقت مؤخرا بهيئة التدريس بإحدي الجامعات الخاصة. كما أخبرني عم إبراهيم ـ رحمة الله عليه ـ أكبر العاملين سنا في المصنع وكانت معه كل أسرار المصنع والشركة لأنه كان يعمل مع والد صاحب الشركة منذ أنشأها. إنه أكمل مسيرة والده ولم يقطع ما كان يعمل من خير وصدقات بل زادت جدا في حياته لدرجة أنني لو قلت ان الأيتام الذين يكفلهم في بيوتهم ويقيمون مع أهلهم وذويهم لو تجمعوا في دار للأيتام لاحتجنا إلي دار أخري لا أكون مبالغا, وأنه المسئول ـ عم إبراهيم ـ عن متابعة هؤلاء الأيتام وأفهمني أن ما قاله لي لم يكن علي سبيل التسلية وقتل الفراغ ولكن لأنه مريض ويحس باقتراب الأجل وأنه لم يعد قادرا علي المتابعة وحده وأن صاحب الشركة قد فكر في أنا لأحل محل عم إبراهيم في متابعة الصدقات. ويشاء الله أن يزداد مرض عم إبراهيم ويدخل المستشفي ثم تصعد روحه إلي بارئها بعد خمسة أيام فقط من دخوله المستشفي. وبرغم حزنه العميق علي فقدان عم إبراهيم استدعاني صاحب الشركة وأخبرني بأنه تقع علي عاتقي مسئولية كبيرة منذ الآن حيث سأعمل في الشركة بالإضافة إلي متابعة ما كان يتابعه عم إبراهيم من أعمال الخير ورعاية الأيتام. ثم سلمني أوراقا وكشوفات بأسماء وأرقام حسابات بنكية وكروت صرف آلي وطلب مني مراجعة وتفهم ما اقدر علي فهمه ثم أسأله فيما لم أفهمه. وشدد علي أن هذا العمل بيني وبينه فقط ولا ينبغي أن أعلم أحدا به كائنا من كان ورفضت أن أتقاضي أجرا مقابل ما أقوم به, وفوجئت بهذا الرجل العظيم يشتري لي سيارة خاصة لتساعدني في العمل بدون إخبار أي موظف في المصنع حتي لا يفتح علي أبوابا للحقد والشر. كان هذا الرجل العظيم يقول لي ان رعايته للأيتام ليست فقط طاعة لله وتقربا إليه ولكنها حماية لهذا المجتمع, حتي لا يتحول هؤلاء الأيتام إلي مجرمين ومنحرفين. وذات يوم استدعاني صاحب المصنع, وقال لي انه يريدني في أمر خاص, أمر فاجأني وأبكاني, عرض علي هذا الإنسان الرائع أن أكون زوجا لابنته.. لم أصدق نفسي.. تلعثمت وصمت, فحثني علي الكلام.. قلت له: ما تعرضه علي شرف عظيم لا أستحقه, ولكني مرتبط بعلاقة حب مع فتاة منذ سنوات, وقد اتفقت مع أهلها علي الزواج بعد أن تنهي دراستها, ولا استطيع أن أخل بوعدي علي الرغم من الإغراء الكبير الذي يقدمه لي. نظر إلي بابتسامة حانية, والدموع تتراجع في عينيه, وقال لي:تعرف يا ولد أنا هاعديها لك بس علشان إنت كل شويه بتكبر في عيني وبتفكرني بشبابي. توقعت أن تتغير معاملته لي, ولكن ما حدث هو العكس, فوجئت به يتتبع أخباري, فعرف أني اقتربت من إنهاء أقساط الشقة التي اشتريتها, فأتي لي بحقيبة وقال هذا مبلغ بسيط, ثلاثون ألف جنيه, ضعها في حسابك ليعينك علي الزواج.. حاولت الرفض كثيرا, ولكنه أصر وقال هذه عطية مني فلا تردني. كانت سعادتي لا توصف, لأني سأستطيع الآن إتمام زواجي بسهولة, ولكن الأقدار كان لها رأي آخر, فبعد أسبوع واحد انقلب كل شيء.. دمر المصنع تماما في يوم الجمعة بعملية تخريبية غريبة, أتلفت الماكينات بحرفية عالية وباستخدام مواد قال المعمل الجنائي في تقريره بأنها تستخدم في تصنيع المتفجرات, كما تم تخريب المحولات والمولدات الاحتياطية وتم تدمير كميات كبيرة من المواد الخام. لم نفق من هول الصدمة ونحن نري هذا الكيان وقد انهار رأيت رجالا ونساء يبكون مثل الأطفال لافرق بين رجل وامرأة في ذلك. وقبل ان أكمل الأحداث أقف وقفة للتعجب!! من أين أتي هؤلاء؟ ومن أين حصلوا علي تلك المادة وبتلك الوفرة؟ إنه ولاشك عمل إرهابي عصابي منظم وربما يكون فوق تخيلي!! ولكني أتعجب من جرأتهم وضمائرهم الميتة فماذا فعل لهم هذا الرجل وكل هؤلاء الناس الذين جعله الله لهم سببا للرزق والله إني لا أجد إجابة لهذه الأسئلة بالفعل. أتعجب أيضا لماذا لم تنشر مثل هذه الحادثة في الجرائد؟!! ربما كان إرسالي لهذه الرسالة وتلميحي إلي هذه النقطة سببا في ضرر لي ولكن لا أعرف ماذا أقول؟ أتعجب من تماسك الرجل وصلابته اللامتناهية؟! فبعد أن قدرت الخسائر بـ39 مليون جنيه ما بين ماكينات قد تلفت نهائيا ومنشآت كهربائية ومواد خام ومخزون قد تآكل معظمه والباقي معظمه أيضا لا يصلح للاستخدام وبضائع منتجة كانت جاهزة وعلي وشك التسليم أضف إلي ذلك شروطا جزائية لابد ولا مناص أن تدفع لأن الإنتاج قد توقف تماما ولا يوجد أي شيء للوفاء بالالتزامات في المواعيد المقررة. وفي قمة ما نحن فيه من انهيار وخوف وتساؤلات عديدة لا تلوح لها في الأفق أي إجابات كان هو ـ بارك الله فيه وعوضه خيرا يارب ـ كان في قمة التماسك وكلما التقيته وجدته يتمتم بكلمات كنت أسمع بعضها لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم لا حول ولا قوة إلا بك يا رب العالمين حسبي الله ونعم الوكيل إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها لا إلا الله.. لا إله إلا الله. وبعد أن ظل شبه صامت طوال ثلاثة أيام جمع العاملين جميعا ثم وقف ليخطب فينا! عجبا له! قد كان يحتاج من يخفف عنه! لكنه ويا للعجب لم ينس أيضا أن هؤلاء الناس قد أصابهم مثل ما أصابه تقريبا فوقف ليخفف عنا, أوصانا بالصبر وأن هذا قدر الله وأن الدنيا ستستمر لا محالة والفوز فيها للصابرين واعتذر لنا لأن المرتبات ستقل نظرا للظروف ولكننا سنستميت حتي نعيد البناء ونقف علي أرجلنا من جديد وقال: إنه من أراد البقاء معنا فليبق وليصبر ومن وجد مكانا آخر يري أنه أفضل له فلينصرف وليبارك الله له في رزقه وإذا أراد أن يعود بعد انتهاء الأزمة ـ بإذن الله ـ فمكانه محفوظ وأنه لن يرفض عودته. ثم أنهي كلامه بآية وردت في سورة يوسف:إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين عجبا!. ثم دعاني مع مجموعة ممن هم محل ثقته وقال لنا إنه قرر أن يبيع كل ما يملك من أصول وعقارات ـ فيما عدا المصنع بالطبع ـ حتي يستطيع أن يفي بما عليه من التزامات بقدر الامكان والأهم قبل المهم وسنحاول أن يعود المصنع إلي أكبر نسبة من طاقته الانتاجية في أقرب وقت بإذن الله لأن أهم شيء هو المصنع والعاملون فيه ولأن هؤلاء العاملين في المصنع والشركة مسئوليته وفي رقبته. باع كل شيء يملكه تقريبا ولم يبق إلا المصنع حتي إنه يقطن في شقة صغيرة جدا بعد أن كان يسكن فيلا. ويبدو يا سيدي أن الصدمة قد افقدتني رشدي فلم أتذكر المبلغ الذي كان قد أعطاني إياه لاتمام زواجي ولكني بعد أن تذكرته قررت بيني وبين نفسي أن أعيده إليه فبرغم صغر المبلغ مقارنة بما عليه من التزامات إلا أنه يحتاج كل جنيه الآن, فسحبت المبلغ وجئت إليه فكان رافضا أن يأخذه قائلا لي انه لا يجوز شرعا أن يرجع الرجل في عطيته لأنه قد أصبح ملك من أعطي له!!!. فقلت له: أنت الآن لا ترجع في عطيتك!! فقال كيف؟ فقلت له: أنت تقول إن هذا المبلغ قد أصبح ملكي أنا الآن؟ فقال نعم, فقلت له وأنا أعطيته لك عن طيب خاطر لأن هذا واجب علي وليس تفضلا مني فبكي واحتضنني. وذهبت بعد ذلك إلي خطيبتي وفي حضور أهلها أخبرتهم بما كان ثم أخبرتهم بأنني سأصبر مع الرجل حتي أشد من أزره وحتي يتمكن من العودة لما كان عليه وطلبت منهم أن يصبروا معي وأن الزواج بالطبع سيتأخر نتيجة ما حدث. وهنا اعترض والدها اعتراضا شديدا وصل لحد الثورة علي وقال لي:لا! أنا كده بقي مش معاك فقلت له اذن وما هو الحل فقال أيا كان الحل فهو ليس ما تقول وقال لي أنه سيفكر في الحل وسيخبرني ثم أخبرني بعد نحو خمسة أيام بمفاجأة قد تكون هي السبب الرئيسي في حيرتي التي وصلت الآن إلي ذروتها وجعلتني أكتب إليك يا سيدي الفاضل!!. لقد اتصل بأخ له يعمل في الخليج منذ أكثر من20 عاما وطلب منه أن يجد لي عقدا مناسبا في مجال المبيعات الذي يعرف جيدا أن خبرتي فيه كبيرة فطلب مني بعض البيانات وصورة جواز السفر وسيرتي الذاتية فتعجبت من السرعة التي تسير بها الأمور فسلمت له ما طلب ارضاء له وأنا لا أعرف هل أنا أريد أن أسافر فعلا أم لا؟. ثم فوجئت به يتصل بي بعد مرور أيام قلائل ليخبرني أن العقد جاهز فلما اطلعت عليه وجدت أن شروطه جيدة والأجر مرتفع والعمولة أيضا فلم يكن لي حجة أن أرفضه فلما جلست مع والدها أخبرني أنه علي أن أسافر إذا كنت أريد إتمام الزواج وأنه علي السفر في أقرب وقت وأكون فيه جاهزا وأن أقصي مدة أمامي هي ثلاثة أسابيع. فأحسست ساعتها أن الظروف قد ألجأتني إلي أحد خيارين أحلاهما مر. فإما أن أغضب والد الفتاة التي أحببتها وربما جعله ذلك يعدل عن رأيه ويصبح رافضا بعد أن كان مرحبا وقد أخبرني بذلك تصريحا. وإما أن أكون ناكرا للجميل مع الرجل الذي كان له علي الفضل كل الفضل بعد الله عز وجل وربما لن يمكنني القدر من مقابلة مثله في حياتي ثانية! وطلبت من والد خطيبتي أن يعطيني فرصة لأفكر فقال لي أن الأمر لا يحتاج إلي تفكير فإما أن أسافر ثم أرجع في أول أجازة لي بعد العام الأول في العقد لأتمم مراسم الزواج وآخذها معي للعيش هناك وسيكون عمها هناك بدلا منه وفي مكانته, أو أن انسي الأمر برمته وكل واحد يروح لحاله وبرغم ذلك أعطاني فرصة للتفكير أسبوعا. وها أنا ذا يا سيدي أكتب إليك في أول يوم من الأسبوع المهلة فماذا أفعل؟. فلو رفضت السفر فستضيع مني فتاتي ولو سافرت أكون ناكرا للجميل ومتخليا عن الرجل الذي جعلني من أقرب الناس إليه وائتمنني علي ماله وكان يريد أن يأتمني علي ما هو أكبر من ذلك ويزوجني ابنته. ولأني أحس أنه في مكانة كبيرة وأحس أنه كوالدي أخبرته بما كان قبل أن أرسل إليك لأعرف رأيه باعتبار أني أخبره بقرار فظهر عليه حزن شديد ولكنه تماسك وقال لي:أنت آخر واحد توقعت أنه يسيبني لكن يا بني لو مافيش قدامك غير السفر سافر وشوف مستقبلك ولما ترجع بإذن الله وكان لي عمر وربنا قدر ورجع المصنع زي الأول هاتيجي تلاقي مكانك موجود معانا. ولكن موقفه هذا جعلني أشعر بالذنب أكثر من ذي قبل هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وهل أنا لو سافرت أكون بذلك ناكرا للجميل؟ إنها أول مرة في حياتي أقف هكذا عاجزا عن اتخاذي لأي قرار وقد تعودت دائما أن أفكر ثم أتخذ قراراتي دون تردد لكني هذه المرة فقدت توازني تقريبا ولا اعرف ماذا أفعل؟. لقد فكرت طويلا ثم وجدت أمامي فكرة ربما لو نفذتها أكون ساعتها قد وفيت بجزء مما علي من الجميل وهي أن ابيع الشقة التي انتهيت والحمد لله من أقساطها وهي كل ما أملك من حطام الدنيا وأعطيه ثمنها فقد كان هذا الرجل سببا أساسيا في أنني استطعت أن أشتريها ولولاه من بعد الله عز وجل لما استطعت ذلك وقد قفز سعرها في الفترة الأخيرة مع ارتفاع سعر العقارات في منطقتها ليزيد عن100 ألف جنيه وقد دفعت فيها أقل من ذلك بكثير. ولأنني سأسافر ومدة العقد ثلاث سنوات قابلة للتجديد وسأعيش هناك لمدة طويلة وأتزوج هناك إذن فلن أقيم فيها ولن أحتاجها وستظل مغلقة بلا فائدة لمدة طويلة لا يعلمها إلا الله. فما هي فعلا حاجتي لها الآن؟ ولكن حتي هذا الحل لم يريحني, أنا في حيرة فهل تساعدني بالرأي؟. * سيدي.. لا أخفيك أني لو وددت فقط أن أرد عليك وأخبرك برأيي, ما أفردت لك كل هذه المساحة, وما تعذبت في قراءة واختصار عشرات الصفحات التي كتبتها, ولكن من كتبت عنه, هو الذي دفعني سعيدا إلي إفساح كل المساحة لرسالتك.. فمثل هذا الرجل, الخير, الخلوق, صاحب القلب الكبير, المعطاء, الصابر, البار, والمؤمن, يستحق أن تفتح له الصفحات, ويكتب له وعنه. فكم نحن في حاجة إلي مثل هذا الإنسان, لينير لنا الطريق, ويعيد إلينا ثقتنا في الخير وفي العاملين عليه. وليتك أخبرتنا باسمه كي نذهب إليه, ونعينه علي البلاء الذي حل به وبكل من حوله, بأيدي أشرار حسدوه علي نعم العطاء والمحبة, فهؤلاء يؤلمهم الخير والخيرون, لأنه يقلق مضاجعهم, ويكشف فسادهم وإفسادهم. سيدي.. قد يمنح القلب عقلا, ولكن العقل لا يمنح قلبا قط, لذا فإن قلبي هو الذي يتحدث معك, فلن استطيع أبدا أن أحكم عقلي مجردا في موقفك, وأنظر إلي موقفك بحسابات المكسب والخسارة. هذا الرجل الإنسان لا يحتاج الآن إلي قيمة شقتك, بقدر حاجته إلي إنسانيتك, هو في حاجة إلي من يثبته علي موقفه, خاصة من أحبهم وقربهم إليه وأحسن إليهم.. فلو اخترت مصلحتك المجردة, بعد كل ما فعله معك, فماذا سيكون موقف الآخرين من حولك, وإذا لم تمد كلتا يديك له الآن وهو يسقط فمتي تمدها إليه؟!.. لا يكفي سيدي أن تعمل خيرا, بل يجب أن تحسن عمل الخير, بأن تواصل وقوفك بجانب هذا الإنسان ومشروعه الخيري الكبير, أن تكون وفيا له, ولا تخش علي رزقك, فالوفاء كما الصدق يجلب الرزق, ولن تنال من الرزق أكثر مما كتبه لك الله ولو حرصت. ابق علي شقتك, وأخبر والد خطيبتك أنك ستستمر في عملك, فإذا لم يشجعك علي موقفك النبيل, ولم تحترم فتاتك اختيارك الأخلاقي, فاترك لهما القرار الذي يناسبهما, واختر أنت ما يمليه عليك ضميرك حتي لا تعيش نادما علي ما فعلت, لأنك في هذه الحالة ستعذب شريكة حياتك لأنها حرصت علي فعل ما لا تحب ولا ترضي, وللرجل المحب الكريم كل الدعاء بأن يعينه الله علي إعادة الحياة إلي مصنعه لمواصلة رحلة خيره ومحبته, والله العادل ما هو بظلام لعبيده.. وإلي لقاء بإذن الله. |
عدل سابقا من قبل جنة في الخميس مايو 29, 2008 10:55 pm عدل 1 مرات