فيـروس الحـب
لم اكن اتخيل مهما ضاقت بي ظروفي أن أكتب مثل هذه الرسالة, فانا فتاة في أواخر العشرينات من اسرة متوسطة ولدي شقيقتان اصغر مني, وكل حلم والدي ان يطمئنا علينا مع ازواج ترعي الله فينا دون النظر للمادة, تخرجت من احدي كليات القمة في احد التخصصات النادرة منذ6 سنوات تقريبا, ووفقني الله واصبح لي مكانة مرموقة في عملي, حيث ان تخصصنا مطلوب في سوق السياحة وأصبح لي دخل ومدخرات تفوق ماكنت احلم به ايام الدراسة, حيث كنت في الدراسة لا يشغلني إلا طموحي ولا التفت لكلمات الإعجاب التي تطاردني لاني كنت ولله الحمد شخصية مرحة الكل يحب ان يلتف حولها وكنت دائما احاول الا اجرح احدا ممن يبدون اعجابا بي, وإن كنت أستطيع أن أوقف أي متجاوز عنده حده وكان طموحي يغطي علي كل شيء, ومنذ3 سنوات تعرفت علي مهندس شاب حديث التخرج فكنت اعتبره زميلا أو أخا الا ان شخصيته اسرتني لانه كان شديد الجدية والالتزام والتدين وأثر في كثيرا وكنت مثل كثير من الناس ممن يعتقدون ان مهنة الهندسة من المهن المربحة, لكن من طبيعة عمل والدي اكتشفت مقدار الظلم علي هذه الفئة المظلومة في المجتمع وعندما ادركت اني احبه كنت اصلي لله داعية اياه ان يكون لديه من المشاعر مثل مالدي. واكرمني الله عندما صرح لي بمشاعره وكان اجمل يوم في حياتي, حيث اني كنت اول فتاة في حياته وكنا نحلم معا بكل تفاصيل حياتنا المستقبلية وننتظر انهاء الخدمة العسكرية ليستطيع ان يتقدم لأهلي, إلا انه قبل دخوله الجيش حدثت كارثة زلزلت, كل احلامنا, حين اكتشف انه مصاب بلعنة هذا العصر فيروسC وكانت صدمة لكل منا وكان من النوع النشيط جدا, وحينها كان مصرا علي اعفائي من كل ارتباط او التزام, لكني كنت ومازلت احبه بجنون, وأري انه في ازمة ويجب ان اقف معه, ولانه كان في ابتلاء, فاذا كان الله يحبه وابتلاه بهذا المرض فكيف اتخلي عن من يحبه الله وانا من يساعد من لاعلاقة لي بهم من الناس, فما بالك بمن ملك كل دنياي؟ المهم أصر علي الا يعلم احد من اهله بهذا الامر, لانه سيحطم العائلة, فهو الابن الاكبر وانت تدرك مامعني هذا, عندما انهي خدمته العسكرية وفقه الله في حجز شقة تتبع الاسكان وكان مترددا في التقدم لأهلي لانه لايعلم مايخبئه له القدر, حيث ان العلاج كان احيانا يأتي بفائدة واحيانا اخري بدون فائدة, وكنا نحمد الله انه لم يؤثر علي مظهره فأقنعته ان نلقي بهمومنا علي الله ونترك له الامور وبعد إلحاح تقدم إلي أهلي وكانت فرحة البيت فرحة لاتوصف لانه كان يفوق ماكان يحلمون به. وكنا اتفقنا علي ألا نخبر اهلي عسي ان ينعم الله عليه بالشفاء بعد الخطوبة, وكان العلاج كما قلت احيانا فعالا واحيانا لا, وكان قد انفق كل مدخراته وكل مايكسبه من مهنته علي العلاج فكنت اعرض عليه المساعدة فيرفض في إباء وشمم يجعلني اتمسك به واحترمه اكثر, وكان مما زاد اعجابي به والدته فهي سيدة فاضلة وكانت تعاملني افضل من ابنتيها, لكن في الآونة الأخيرة كان يصيبه اكتئاب بكثرة فحاول ان يؤخر الزواج متعللا بقلة الدخل, وحاولت امي وامه ان يحلا هذه المشكلة وأفهماه ان في هذا الزمن كل البيوت تعتمد علي تعاون الزوجين وان لا احد يسأل عمن ينفق لان الكل مشغول بأمره وانه لاكرامة بين الزوجين, وانا كنت مرحبة بذلك وكنت ادخر من دخلي علي أمل الا اعمل بعد الزواج, وعلي أسوا الظروف اذا تطلب جراحة زراعة كبد اتحملها بكل رضا, الا انه منذ4 اشهر بدأ في التغيير والانطوائية والاكتئاب حتي والدته بدأت تشكو منه ومن كسله في الذهاب للعمل وتقاعسه عن اداء امور مهمة وتشكو لي منه خصوصا من انطوائيته وكنت اعلم جيدا ان هذه اهم الآثار الجانبية للعلاج واتحمل معاملته الجافة لي بعد ان كنت الملجأ الذي يلجأ اليه ويشكوله همه علي حسب قوله, وكنت اتحمله لاني اقدر ظروفه جيدا وكان يعتذر لي عن هذا وكنت راضية عن يوم حب وكثير من الأيام صمت وجفاء منذ شهر زادت المعاملة بعدا وذلك بعد وفاة والده بالرغم من اني تعمدت ان اغمره بحبي وحناني لاهيئ له حالة معنوية جيدة بالرغم من شكوي أهلي منه, حيث لايزورهم ولايتصل بهم وكنت ألتمس له كل الاعذار الا اني كنت احس انه يدفعني دفعا لأطلب منه الانفصال. وانا لااستطيع ان اتحمل فكرة عدم وجوده في حياتي لانه لايد له فيما يعانيه, ولان من يحب شخصا يتحمله في اصعب المواقف, الا انه بعد اخر نتيجة تحاليل وكانت متوقعة لي وذلك من الحالة السيئة التي يمر بها والضغوط النفسية نتيجة وفاة والده وضغوط العمل وقلة الدخل وإلحاح والدته عليه في الاسراع بالزواج حيث انها يسرت له كل الامور الا انه فاجأنا جميعا بانه لن يتم الارتباط لقلة دخله وانه لايستطيع ان يظلمني معه في انتظار بلا أمل, وصارحني بأن طبيبه اوضح له ان احتمالية انتقال عدوي فيروس سي للزوجة تتجاوز الــ25% وانه لايتخيل ان يسبب لي اقل ضرر, وأيضا انه لايوافق ان تنفق زوجته عليه ويكون هو عالة عليها, فانهرت نفسيا وعصبيا وصارحت والدي بحقيقة الامر فكانت صدمة لهما وعندما جاء ليعلن لهما ذلك الامر وينهي الارتباط كنا جميعا نحاول التماسك امامه, ووالدي اعلن له انه يجب ان يتمسك برحمة الله وانه يقبل ارتباطنا لأن المرض بيد الله وحده وانهرنا جميعا, بمن فيهم هو بالبكاء وقلت له اننا يجب ان نتحلي بالأمل فقال انه تحلي بالأمل وسار معي في طريق التفاؤل الا انه وجده مسدودا, وانه لايريد ان يظلمني معه وطلب منه والدي اعادة التفكير في الامر وانه موضع ترحيب لدينا في أي وقت, فاجاب ان كل شيء باذن الله وانه يحمد الله دائما علي كل شيء وحاول إقناعه باخبار والدته لانها يجب ان تعرف لتقف بجانبه وتنفي عنه شبهة الظلم التي القت بها عليه حيث انها وضعته في موضع سييء بانه لايستطيع تحمل المسئولية وظلمني معه حتي إنها اتصلت بي, وهي تبكي وتقول إني استحق من هو أفضل من ابنها, وبالرغم من ذلك رفض اخبارها, حيث انه لايريد تحميلها أي عبء نفسي لأنها مريضة ومازالت في حداد علي زوجها الذي لم يتم اربعة أشهر علي وفاته. الآن ياسيدي أنا لا أستطيع الحياة ولا العمل ولا التفكير في المستقبل, ووالدي في حالة صدمة وأمي دائمة البكاء, وأنا دائمة التفكير فيه علي أمل ان يعيد التفكير في العودة لي, أرجوك ساعدني في التفكير وحاول إقناعه بأن الإنسان لايستطيع ان يعيش وحيدا في الدنيا, وأن اعظم شيء ان نجد إنسانا يحبنا ومستعدا ليتحمل معنا كل صعوبات الحياة, وأن12% من سكان مصر مصابون بهذا المرض والغالبية متعايشة معه, وان هذا المرض احيانا يستجيب للعلاج واحيانا لا, كما سبق وقلت انه يعتمد علي الحالة النفسية, كم اتمني ان اتصل به لاطمئن عليه إلا إني افكر في اعطائه فرصة للتفكير دون التأثير عليه بالرغم من أن أمي تحاول اقناعي بأن الأمر انتهي وانا احاول تكملة حياتي دونه إلي أن يشاء الله, وتواسيني بأن الله لن يضيع اجر صبري واحتمالي, لكني معذبة ومحطمة ولا استطيع التفكير في سواه ولا أتخيل حياتي دونه. سيدي حاول ان توضح للجميع ان السعادة ليست في المال بل في الحب وراحة البال والصحة وهذه لا يمكن شراؤها بالمال وارجو منك النصيحة. * سيدتي.. أحييك علي موقفك الرائع ممن أحببت, كما تستحق أسرتك أيضا التحية والاحترام, علي استيعابها لمشاعرك وقبولها بابتلاء الله لشاب مكافح خلوق, فكثير من الآباء في مثل هذا الموقف, يسارعون بالرفض وبالإصرار علي عدم اكمال مشروع الزواج, حرصا علي بناتهم ومستقبلهم. تسألينني النصيحة, والواقع يؤكد أنك فعلت كل مايمكن أن تقوم به الفتاة المحبة, تجاه من تحبه.. ارتضيت وضعه المادي, وأعلنت عن استعدادك لمشاركته مصاعب الحياة و قسوتها.. تعاملت مع مرضه بوعي شديد ولكن حساسيته المفرطة, وحرصه عليك, دفعاه للانسحاب والاستسلام التام للاكتئاب منهزما في مواجهة المرض, لهذا استميحك عذرا في أن يكون حديثي معه وإليه, وإلي كل من يعاني مرضا مثله أو غيره من الأمراض. عزيزي المهندس, ماتعاني منه الآن, يعانيه مثلك مايقرب من ثمانية ملايين مصري ـ حسب أرقام وزارة الصحة ـ وتتفاوت حالات المصابين من حامل للفيروس إلي مصاب به.. ومن الحياة مع الفيروس بدون تليف في الكبد, إلي تليف جزئي أو كلي, وفي الحالة الأخيرة, وهي المتقدمة تصبح الزراعة هي الحل ولكن الإنسان يستطيع مواصلة حياته سنوات طويلة مع المرض بدون أعراض مفزعة ويتناول بعض العلاجات وتنظيم الطعام, وأحيانا بالحقن, تكون الحياة طبيعية, وقبل وبعد كل هذا تتحكم الحالة النفسية للمريض في مواجهته أوالاستسلام له. سيدي.. مرضك ليس قاتلا, وهولاينتقل إلي الزوجة في العلاقة الزوجية, لأنه كما أجمع الأطباء ـ حتي الآن ـ لاينتقل إلا عن طريق الدم, فهو يحتاج فقط إلي بعض الحرص. فهل بعد هذا ستضحي بفرصة للسعادة تطرق بابك بعنف, باصرار وبمحبة. عليك ان تقبل بقضاء الله, فقد كان يمكنك ألا تكتشفه إلا بعد الزواج, ولكنك اكتشفته مبكرا وبجوارك فتاة تحبك وأسرة مهتمة سعيدة وفخورة بك, فهل تضحي بكل هذا, وتغلق عليك بابك, مهزوما وحيدا؟ إلي متي يمكنك أن تفعل ذلك؟ إن مثل تلك الفتاة وأسرتها يستحقون منك أن تصر علي الحياة أن تقاوم يأسك واكتئابك, أن تتحدي المرض وتهزمه, لا أن ترفع له راية الهزيمة في أول جولة.. هل تفعل ذلك ولن تتزوج بأخري, أم ستفعل ذلك مع فتاة لا تحبها؟.. في هذه الحالة ماذا يعني لك كل هذا الحب الذي تغتاله بيديك معتقدا بذلك أنك تغير القدر, وهو لا يتغير.. يا عزيزي لكل أجل كتاب, فخذ قدرك الذي لا مفر منه, راضيا مستمتعا بقضاء الله. سيدتي.. عودة لك, لقد فعلت كل ما عليك, فإذا لم يستجب لك هذا الشاب, ولم يقدر لك حبك وحرصك عليه, فليس أمامك إلا مواجهة ألمك وحدك, حتي تتغلبي عليه وتتجاوزي مشاعرك تجاهه, وهذا يحدث بمرور الوقت, فالزمن وحده هو طبيب مثل هذه الجراحة, وليكن في حياتك واقع آخر مكتوب عند الله سبحانه وتعالي.. وإلي اللقاء بإذن الله. |