لا أعرف من أين أبدأ كلامي, فقط سأحاول أن أتجنب الإطالة, أنا فتاة من أواخر العشرينيات من أسرة متوسطة حاصلة علي مؤهل عال وأعمل. ولي اهتمامات ثقافية وأدبية كثيرة شخصيتي جادة جدا لي صديقات وزملاء كثيرون تعرفت عليهم عن طريق المنتديات الأدبية والندوات التي أحضرها.
ومن ضمن هؤلاء زميل شاب في نفس عمري وخريج كلية علمية ويعمل في وظيفة مرموقة تعرفت عليه منذ ما يقرب من عام عن طريق أحد المنتديات الأدبية. ولأن طبيعتي الشك والحيطة في كل تعاملاتي مع المحيطين بي فقد وضعته كما أضع كل من أتعامل معهم تحت المجهر. فكرامتي واعتزازي بنفسي شديدان ولا أقبل بغير الجدية في التعامل بيني وبين الشباب والرجال في كل مكان.
وخلال فترة تعارفنا كنت قد استطعت معرفة طباعه وطريقة تفكيره وصفاته الجيدة منها والسيئة, بل وشعرت بما لم أشعر به من قبل تجاه أي شاب آخر, وما أسعدني أنه هو الآخر كان له نفس المشاعر وفاتحني في موضوع الزواج, كانت تلك اللحظة أسعد لحظات حياتي, فقد من الله علي بالإنسان الذي أتقبله بكل طباعة السيئة قبل الحسنة وأقدره وأحترمه ويحترمني ولنا نفس المشاعر, ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن دائما.
هناك مقولة في مسرحية بيت الدمية للكاتب النرويجي هنريك ابسن علي لسان الطبيب رانك الذي كان مريضا بشدة بسبب والده وعلي وشك الموت يقول فيها:
ـ ما ذنبي لأدفع ثمن غلطة ارتكبها غيري؟ أية عدالة في هذا الأمر؟ ولست وحدي الضحية بل في كل أسرة تجدين شخصا بريئا يدفع الثمن من حياته دون ذنب جناه.
نعم هو وأنا ندفع ذنبا لم نقترفه بل ذنب اقترفه والده وتمت محاكمته عليه وسجن بالفعل فيما مضي. تلك هي مشكلتنا الكبري والوحيدة لقد قص علي كل شيء وبالفعل والده مذنب أما هو فلا, عن نفسي أقتنع بأن كل إنسان يتحمل وزره وحده, فهكذا يحاسبنا الله, لذا استخرت الله حتي يرشدني إلي الطريق السليم فهكذا أتعامل مع كل أموري, فكانت الموافقة عليه فهو الإنسان الذي أريد أن أكمل به نصف ديني.
لقد فاتحت أسرتي في الموضوع كي يأتي ليتقدم لي لكنهم رفضوا الموضوع تماما, يرون انني وضعت رأسهم في التراب لأني متمسكة به. ولا أبغي زوجا غيره وأنا لا أتواني عن الدعاء المستمر كي يقبلوا مجرد مقابلته فهم يرفضون حتي سماع اسمه, لقد اتصل بوالدي عدة مرات لكن في كل مرة يقابل برفضه.
سيدي لست ممن يمحون تفكيرهم ويتخذون قراراتهم عن طريق القلب, حتي في تلك المسألة كان قلبي هو آخر ما لجأت إليه وأنا أتخذ قراري بالموافقة لعلمي أن القلوب في كثير من الأحيان تهلك أصحابها.
قل لي بالله عليك هل كل شخص يذنب يجب أن يدفع الثمن شخص بل مجموعة أشخاص آخرون؟ هل يصبح من والده مجرم هو الآخر مجرما ولا يحق له الزواج إلا من ابن مجرم أو من طبقة دنيا.
أليس اختيار الزوج المناسب لمن نرتضي دينه وخلقه؟! لمن يتقي الله في كل تصرفاته لمن يرفض الحرام ويريد الحلال لمن نشعر أنه سيسعد قلب أبنائنا؟ أعلم أنه أقل مني من الناحية الاجتماعية والتوافق الاجتماعي أحد أركان الزواج لكن تعليمه وثقافته تجعله متوافقا معي كما أن أخواته كلهن متعلمات وفيهن من هي خريجة جامعة الأزهر وتقوم بتحفيظ القرآن.
لقد حاولنا الانفصال رضاء لأسرتي فقط لكننا لم نوفق فنحن لا نبغي سوي الزواج علي سنة الله ورسوله وبموافقة والدي. لا نريد سوي الحلال الذي أحله الله لنا ولا نريد سوي طاعة الله ورضاء والدي عنا.
سيدي كل ما أبغيه منك أن تجد لنا حلا لمشكلتنا فقد جربنا الفراق وما جنينا إلا الألم والمرض, وجربنا الحديث مع والدي فما كان من والدي إلا أن أعلن غضبه علي وعدم رضائه عني. وهو أمر لا احتمله.
أشعر بالعذاب يحاصرني والدي إلي يميني ونصفي الآخر إلي يساري وعلي أن أختار لكني لا أريد أن اختار بينهما فقط أريد أن أكسبهما معا لأكسب رضاء الله عني وأشعر بالسعادة التي هربت مني.
ملحوظة أخيرة: لن أتزوج بدون موافقة والدي وهو أمر مسلم به ويدعمه نصفي الآخر بقوة, فكما قلت لك هو علي خلق ودين, ولن أتزوج بغير ذلك الشاب فهو من أريده وعذرا لأنني لم استطع أن أوضح كل ما أريد أن أقوله علي الرغم من إطالتي.