غاوي روبابيكيا!
أنا سيدة متزوجة من رجل عمره الآن68 عاما, وقد تزوجنا وهو في سن الـ25 وكان وقتها يعمل موظفا صغيرا في هيئة كبري, وكان وسيما وهادئ الطبع, ومدللا من جميع أفراد عائلته, وقد خاض في عمله مصاعب عديدة, وانعكس ذلك علي نفسيته وشخصيته فتحول إلي شخص شكاك وعصبي, وينتابه القلق لأتفه الأسباب لدرجة أنه دخل مستشفي شهيرا للأمراض النفسية وقضي به ثلاث سنوات.
وكنا نسكن في حي شعبي مليء بالبشر, وفضلت أنا والأولاد الانتقال إلي شقة لنا في حي راق, حيث يعيش الجيران, كل في حاله, ولكن زوجي رفض الانتقال معنا وكان يأتي إلينا كلما دعته الحاجة واستقال من عمله بعد سنوات طويلة قضاها به, والتحق بإحدي الهيئات المعروفة وعمل فيها من السابعة صباحا حتي الثالثة بعد الظهر, ولكنه كان يشعر بالفراغ فاشتغل في عمل آخر من الثالثة حتي العاشرة مساء.
وهو يريد دائما أن يكون وسط الناس طوال النهار, وأصبحت مشكلته هي يوم الجمعة, فجميع الجيران يصطحبون أولادهم لأداء الصلاة, وهو الوحيد الذي يذهب إلي مكان يسمي سوق الجمعة, ويظل هناك من الصباح إلي المساء وطول اليوم يشتري أشياء قديمة لا يستفيد منها في شيء, حتي إن الشقة التي يعيش فيها والمكونة من أربع غرف أصبحت ممتلئة عن آخرها بهذه الأشياء ولا مكان فيها إلا لسرير صغير, وثلاثة مقاعد لاستخدامه الشخصي! والمدهش أنه بدأ في الزحف بأشيائه الي شقتنا, الأمر الذي يسبب مشكلات كبيرة, والمؤسف أيضا أنه يهمل مظهره وملبسه برغم محاولاتي المضنية معه لتنظيف نفسه وتحسين مظهره, وقد جعل ذلك أولاده ـ وهم الآن بهوات وأيضا أحفاده ـ يخجلون منه, ومن تقديمه لأصدقائهم إذا رأوه مصادفة أمامهم!.
وفي السنوات الأخيرة ترك العمل بحكم السن, وبدأ في التعرف والزحف إلي كل الأسواق طوال أيام الأسبوع, وتفرغ تماما لمهمة شراء الروبابيكيا, وأراه في منتهي السعادة وهو ذاهب إلي السوق مع مطلع كل صباح, فماذا أفعل لكي أثنيه عن هذه الهواية التي سيطرت علي عقله حتي أصبح اسيرا لها, وكيف استعيده كما كان رجلا شهما وقويا ومبعثا للفخر والاعتزاز؟!.
** لو أنك لم تتخلي عن زوجك, ولم تتركيه يعيش وحيدا لما وصل الي ما وصل إليه الآن, فلقد صنعت المشكلة منذ البداية عندما أخذت اولادك, وانتقلتم الي الشقة التي تملكونها في الحي الراقي لسبب غريب هو أنك وجدته الملاذ الآمن بعيدا عن الجيران, بدعوي أن الأحياء الراقية يعيش فيها كل انسان في حاله, وهو منطق مغلوط تماما, إذ ما الضرر الذي يمكن ان يقع عليكم من الحياة في الحي الشعبي الذي امضيتم فيه فترة طويلة من حياتكم ما دام زوجك انسانا إجتماعيا بطبعه ويحب الاختلاط بالآخرين؟!
لقد دفعه موقفك بالانتقال إلي حي آخر غير الحي الذي بنيتما حياتكما فيه, إلي تمضية وقته كله في العمل علي فترتين بحيث لايعود إلي البيت إلا للنوم فقط حتي لا يجد نفسه وحيدا فيه, وحتي يظل طوال النهار بين الناس. وليس أسير جدران لا يشاركه فيها أحد.. أما يوم راحته الأسبوعية فإنه يذهب الي حيث يجد من يشاركه حياته, وقد وجد ضالته في اقتناء أشياء مستعملة قد تصلح للاستخدام ذات يوم.
وبعد تقاعده عن العمل لم يجد رفيقا يؤنس وجدته إلا الذهاب إلي الاسواق يوميا.. وبالطبع فإن التجاهل التام له ـ وهو الذي كان في شبابه ملء السمع والبصر ـ قد ترك أثرا سيئا علي نفسيته فأهمل مظهره, وساءت حالته لدرجة أنكم تخجلون الآن من تعريف الاصدقاء به, وقد ساهمت بدورك في ان يتخذ ابناؤك هذا الموقف منه, فأي منطق هذا الذي تتعاملين به مع زوجك وهو الرجل ذو الحس المرهف والذي تعلمين أنه يتأثر بأي مواقف حوله!.. ولعلك تذكرين الفترة التي دخل فيها مستشفي الأمراض النفسية الذي تردد عليه ثلاث سنوات نتيجة تأثره الشديد بمواقف حدثت حوله.. ألم يكن هذا الرجل جديرا بأن تسانديه ولا تتخلي عنه؟
.. وألم يكن أيضا من حقه عليك ألا تتركيه وحده يلاطم أمواج الحياة؟.. وأليس من حقه علي أولاده أن يتقربوا منه وأن يسعدوا بالجلوس معه؟.. إنكم لو فعلتم ذلك لانتشلتموه من الحالة التي وصل إليها الآن. وعلي أي حال فإن الفرصة مازالت متاحة أمامكم للعودة به إلي شاطيء الأمان. فعليك بابداء رغبتك له في العودة إلي الحي الشعبي القديم لمواصلة حياتكم فيه, وأن تشرحي له أن هذا يقتضي الخلاص من الروبابيكيا لوضع الأثاث مكانها مع الاستفادة مما يصلح منها, واهداء البعض الآخر مما لستم في حاجة إليه إلي فقراء الحي الشعبي, وهكذا سوف تستعيدين زوجك شيئا فشيئا, وسوف تسترجعان من جديد الايام الجميلة التي جمعت بينكما, واسأل الله ان يكتب لكما الهداية والسعادة وعودة الهدوء المفقود!
أنا سيدة متزوجة من رجل عمره الآن68 عاما, وقد تزوجنا وهو في سن الـ25 وكان وقتها يعمل موظفا صغيرا في هيئة كبري, وكان وسيما وهادئ الطبع, ومدللا من جميع أفراد عائلته, وقد خاض في عمله مصاعب عديدة, وانعكس ذلك علي نفسيته وشخصيته فتحول إلي شخص شكاك وعصبي, وينتابه القلق لأتفه الأسباب لدرجة أنه دخل مستشفي شهيرا للأمراض النفسية وقضي به ثلاث سنوات.
وكنا نسكن في حي شعبي مليء بالبشر, وفضلت أنا والأولاد الانتقال إلي شقة لنا في حي راق, حيث يعيش الجيران, كل في حاله, ولكن زوجي رفض الانتقال معنا وكان يأتي إلينا كلما دعته الحاجة واستقال من عمله بعد سنوات طويلة قضاها به, والتحق بإحدي الهيئات المعروفة وعمل فيها من السابعة صباحا حتي الثالثة بعد الظهر, ولكنه كان يشعر بالفراغ فاشتغل في عمل آخر من الثالثة حتي العاشرة مساء.
وهو يريد دائما أن يكون وسط الناس طوال النهار, وأصبحت مشكلته هي يوم الجمعة, فجميع الجيران يصطحبون أولادهم لأداء الصلاة, وهو الوحيد الذي يذهب إلي مكان يسمي سوق الجمعة, ويظل هناك من الصباح إلي المساء وطول اليوم يشتري أشياء قديمة لا يستفيد منها في شيء, حتي إن الشقة التي يعيش فيها والمكونة من أربع غرف أصبحت ممتلئة عن آخرها بهذه الأشياء ولا مكان فيها إلا لسرير صغير, وثلاثة مقاعد لاستخدامه الشخصي! والمدهش أنه بدأ في الزحف بأشيائه الي شقتنا, الأمر الذي يسبب مشكلات كبيرة, والمؤسف أيضا أنه يهمل مظهره وملبسه برغم محاولاتي المضنية معه لتنظيف نفسه وتحسين مظهره, وقد جعل ذلك أولاده ـ وهم الآن بهوات وأيضا أحفاده ـ يخجلون منه, ومن تقديمه لأصدقائهم إذا رأوه مصادفة أمامهم!.
وفي السنوات الأخيرة ترك العمل بحكم السن, وبدأ في التعرف والزحف إلي كل الأسواق طوال أيام الأسبوع, وتفرغ تماما لمهمة شراء الروبابيكيا, وأراه في منتهي السعادة وهو ذاهب إلي السوق مع مطلع كل صباح, فماذا أفعل لكي أثنيه عن هذه الهواية التي سيطرت علي عقله حتي أصبح اسيرا لها, وكيف استعيده كما كان رجلا شهما وقويا ومبعثا للفخر والاعتزاز؟!.
** لو أنك لم تتخلي عن زوجك, ولم تتركيه يعيش وحيدا لما وصل الي ما وصل إليه الآن, فلقد صنعت المشكلة منذ البداية عندما أخذت اولادك, وانتقلتم الي الشقة التي تملكونها في الحي الراقي لسبب غريب هو أنك وجدته الملاذ الآمن بعيدا عن الجيران, بدعوي أن الأحياء الراقية يعيش فيها كل انسان في حاله, وهو منطق مغلوط تماما, إذ ما الضرر الذي يمكن ان يقع عليكم من الحياة في الحي الشعبي الذي امضيتم فيه فترة طويلة من حياتكم ما دام زوجك انسانا إجتماعيا بطبعه ويحب الاختلاط بالآخرين؟!
لقد دفعه موقفك بالانتقال إلي حي آخر غير الحي الذي بنيتما حياتكما فيه, إلي تمضية وقته كله في العمل علي فترتين بحيث لايعود إلي البيت إلا للنوم فقط حتي لا يجد نفسه وحيدا فيه, وحتي يظل طوال النهار بين الناس. وليس أسير جدران لا يشاركه فيها أحد.. أما يوم راحته الأسبوعية فإنه يذهب الي حيث يجد من يشاركه حياته, وقد وجد ضالته في اقتناء أشياء مستعملة قد تصلح للاستخدام ذات يوم.
وبعد تقاعده عن العمل لم يجد رفيقا يؤنس وجدته إلا الذهاب إلي الاسواق يوميا.. وبالطبع فإن التجاهل التام له ـ وهو الذي كان في شبابه ملء السمع والبصر ـ قد ترك أثرا سيئا علي نفسيته فأهمل مظهره, وساءت حالته لدرجة أنكم تخجلون الآن من تعريف الاصدقاء به, وقد ساهمت بدورك في ان يتخذ ابناؤك هذا الموقف منه, فأي منطق هذا الذي تتعاملين به مع زوجك وهو الرجل ذو الحس المرهف والذي تعلمين أنه يتأثر بأي مواقف حوله!.. ولعلك تذكرين الفترة التي دخل فيها مستشفي الأمراض النفسية الذي تردد عليه ثلاث سنوات نتيجة تأثره الشديد بمواقف حدثت حوله.. ألم يكن هذا الرجل جديرا بأن تسانديه ولا تتخلي عنه؟
.. وألم يكن أيضا من حقه عليك ألا تتركيه وحده يلاطم أمواج الحياة؟.. وأليس من حقه علي أولاده أن يتقربوا منه وأن يسعدوا بالجلوس معه؟.. إنكم لو فعلتم ذلك لانتشلتموه من الحالة التي وصل إليها الآن. وعلي أي حال فإن الفرصة مازالت متاحة أمامكم للعودة به إلي شاطيء الأمان. فعليك بابداء رغبتك له في العودة إلي الحي الشعبي القديم لمواصلة حياتكم فيه, وأن تشرحي له أن هذا يقتضي الخلاص من الروبابيكيا لوضع الأثاث مكانها مع الاستفادة مما يصلح منها, واهداء البعض الآخر مما لستم في حاجة إليه إلي فقراء الحي الشعبي, وهكذا سوف تستعيدين زوجك شيئا فشيئا, وسوف تسترجعان من جديد الايام الجميلة التي جمعت بينكما, واسأل الله ان يكتب لكما الهداية والسعادة وعودة الهدوء المفقود!