العدالة الاجتماعية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
العدالة الاجتماعية

نبحث عن حل عادل لمشاكل المجتمع لكل شاب وفتاة وزوج وزوجة الخ


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

اوراق الخريف

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

1اوراق الخريف Empty اوراق الخريف السبت يناير 24, 2009 10:08 pm

مجدى الحسيني

مجدى الحسيني
Admin














بـريــد الأهــرام

 















 











44609‏السنة 133-العدد2009يناير24‏27 من محرم 1430 هـالسبت






 

أوراق الخريف








أنا رجل قاربت علي نهاية العقد الرابع من عمري‏,‏ ولكني أشعر بأنني تجاوزت سن السبعين بسبب الظروف الصعبة التي مررت بها في حياتي‏,‏ فلقد ولدت في أسرة ثرية ومتخصصة في تجارة احدي السلع المعمرة ولها العديد من الفروع والإدارات يديرها جدي وأبي وأعمامي‏,‏ وعندما بلغت سن السادسة انقلب حال أسرتي رأسا علي عقب‏,‏ وأعلن والدي افلاسه‏,‏ واضطر مرغما الي السفر لدولة عربية شقيقة لكي يعيد بناء نفسه‏,‏ وينأي بي وإخوتي الأربعة ووالدتي عن المشكلات التي كانت تنتظرنا بعد ما ألم بنا‏..‏ وهناك عرفت معني الغربة ومررت بتجارب مؤلمة وأنا مازلت طفلا‏..‏ والتحقت باحدي المدارس‏..‏ وواصل والدي كفاحه وتحسنت أوضاعنا المادية‏..‏ وظللت في هذا البلد حتي انهيت دراستي الثانوية‏,‏ وعدت الي مصر للالتحاق بكلية نظرية لا أحبها‏,‏ ولكنه التنسيق‏,‏ وتعثرت في دراستي لأول مرة في حياتي حين كنت أعيش بمفردي وساءت حالتي النفسية كثيرا‏..‏

ولم يمر وقت طويل حتي عاد والدي الي مصر‏,‏ وأحيا تجارته القديمة‏,‏ ونال شهرة واسعة خلال فترة وجيزة‏,‏ الأمر الذي دفعني الي أن أترك دراستي وأعمل بتجارته ظنا مني أنها الأمان والمستقبل‏,‏ ورغبته في أن أكون بجانبه‏,‏ وسمعت قصصا كثيرة ممن حولي عن أنه تعرض لظلم شديد ومؤامرات دنيئة أدت الي افلاسه قبل خمسة عشر عاما‏..‏ وأعجبني اصراره علي النجاح والوقوف علي قدميه من جديد‏.‏

وفكرت في الزواج‏,‏ ولم يكن هناك أفضل من زميلة لي تعرفت عليها قبل أن أترك الدراسة‏,‏ وشعرت بحب جارف لها‏..‏ وتملكتني مشاعر الحب الأول‏,‏ ولمست فيها الحنان والصدق‏,‏ ورأيت في عينيها الاهتمام‏,‏ وأصبحت هي ملاذي الوحيد حينما يشتد بي الضيق‏,‏ وألحت علي في استكمال دراستي‏,‏ فحاولت أكثر من مرة لكني فشلت لعدم رغبتي في هذه الكلية فنصحتني بالالتحاق بجامعة خاصة والدراسة بكلية اخري‏,‏ وبالفعل التحقت بكلية عملية لها علاقة بتجارة والدي واقبلت علي الدراسة فيها بشغف‏,‏ وتقدمت لخطبة فتاتي‏,‏ ووافق أهلها وانغمست في حياتي أبني عش الزوجية وأساعد والدي في إدارة أعماله التي اتسعت بشكل لافت للانظار‏,‏ وقد أصبح ضيفا دائما في كل وسائل الاعلام للحديث عن نجاحاته في الحياة‏.‏

وبعد كل ذلك جاءت الرياح بما لاتشتهي السفن‏,‏ فقداستيقظنا ذات صباح علي حريق هائل دمر كل شيء نمتلكه‏,‏ وخسرنا خسارة فادحة تقدر بملايين الجنيهات‏..‏ وعرف والدي طريق الاستدانة من التجارة والبنوك‏,‏ وقد ضمنته في كل القروض التي حصل عليها وأنا استعيد الأيام السوداء التي عشناها عندما سافرنا الي الدولة العربية بعد افلاس جدي‏.‏

وتلفت حولي فوجدت فتاتي واشفقت عليها مما نعانيه فعرضت عليها ان تفسخ الخطبة لكي تتحرر من أي قيود وتختار من هو مناسب لها بعد كل ماحدث لي‏,‏ فرفضت باصرار وهي تبكي من هول الموقف‏,‏ ثم اتخذت قرارا بالتوقف عن الدراسة لكي أحاول أن انقذ مايمكن إنقاذه من تجارة والدي‏,‏ وكأن للقدر رأيا آخر فلقد أفلس من جديد‏,‏ ووجدتني مهددا بالسجن وبلا عمل ولا شهادة وأنا في منتصف العشرينات من عمري‏..‏ فاستعذت بالله وفكرت في اقامة مشروع منفرد لي في نفس المجال الذي نعمل به‏,‏ وطلبت من أسرة خطيبتي أن نتمم الزواج فوافقوا علي استحياء‏,‏ وبدأنا حياتنا الزوجية‏,‏ ولكن العواصف اشتدت علي وواجهت مطاردات قضائية عديدة بسبب ضماني والدي في قروضه السابقة‏..‏ وتوقف مشروعي الجديد‏,‏ ولم تتحمل زوجتي هذا العذاب فطلبت الطلاق بإصرار ولا أدري كيف تحول الحب الجارف الي ضيق وطلب انفصال‏..‏

وكانت هذه هي الصدمة الكبري في حياتي‏..‏ ووجدتني أصر علي مواجهة كل شيء وحدي وتحديت نفسي وأكملت تعليمي وانهيت خدمتي العسكرية والتحقت باحدي الشركات موظفا لأول مرة‏..‏ وتنقلت للعمل في أكثر من شركة‏,‏ وكنت أقضي عشرين ساعة يوميا فيه‏,‏ ومرت سنوات وأنا اتقدم بشكل ملحوظ وجاءتني فرصة عمل بدولة عربية‏,‏ فسافرت وحققت بعض ماكنت أحلم به‏..‏ وعدت الي وطني ورزقني الله بزوجة صالحة صبورة تحبني وتخاف الله‏,‏ ورزقنا الله بطفل جميل هو قرة أعيننا‏..‏ وبعت جزءا من ممتلكات والدي وسددت ديونه كلها‏..‏ وفي الأيام الأخيرة اصيب والدي بمرض شديد نقل علي أثره الي العناية المركزة باحد المستشفيات الخاصة‏,‏ ولم يمكث فيه طويلا حتي فاضت روحه الي بارئها‏..‏ فإنهرت باكيا واستعدت كل فصول حياتي‏,‏ وماعاناه والدي من مصاعب وآلام‏,‏ وتذكرت قصته مع الكفاح والصبر والنجاح ثم المرض والرحيل وقد أردت ان أشركك وقراء بابك الجميل في معرفة قصتي والدعاء لأبي بالرحمة والمغفرة ولي بالتوفيق ومواصلة مشوار الحياة بما يرضي الله وما يجعلنا آمنين من غدر الدنيا‏,‏ وهو المستعان‏.‏

**‏ في قصتك دروس وعبر كثيرة أبرزها أنه لا يأس مع الحياة‏,‏ ولا حياة مع اليأس‏,‏ فلو أن الإنسان استسلم للضغوط والمتاعب لن تقوم له قائمة وسوف يجد نفسه بين عشية وضحاها أسير الوهم والمرض‏,‏ لكنك برغم كل ما عانيته من ظروف قاسية واصلت حياتك بهمة وصبر فكان حقا لك أن يثيبك الله بالعمل المناسب والزوجة الصالحة‏,‏ بعد أن هجرتك محبوبتك الأولي ولم تقو علي مواجهة الأنواء والأعاصير‏.‏

أما والدك الراحل فلقد كان نموذجا مشرفا للرجل العصامي الذي بدأ حياته من نقطة الصفر‏,‏ ومضي يواصل كفاحه ونجاحه حتي صار واحدا من اشهر رجال الأعمال في مصر‏,‏ ولم ينكسر أمام المحن المتوالية‏,‏ وكان صبره عظيما‏,‏ ومثله يستحق أن يكون مثلا أعلي في الاصرار علي النجاح والرضا بما قسمته المقادير‏..‏ ولقد فعل كل ما عليه وترك الأمر لله‏,‏ ويكفيه أنه ظل حتي النهاية متماسكا‏,‏ وقانعا بما هو فيه‏.‏

وأحسب أن رجلا مثلك يجب أن يعتز بنفسه وبقدراته ويحمد الله علي ما أفاء به عليه‏,‏ ويشعر أنه مازال يمسك بأوراق الربيع وزهوره‏,‏ ولا يتسرب إليه اليأس فيحس بأنه في السبعين من عمره وأن أوراق الخريف قد بدأت تتساقط من حياته حتي انه لم يبق له في الدنيا أمل‏..‏

وإنني ألمس بين ثنايا رسالتك إيمانك بالقضاء والقدر وبأن الإنسان لا يأخذ من الدنيا إلا ما قسمه الله له‏..‏ وإذا كنت تؤمن بذلك حقا فما الذي يدعوك للشعور بهذا الاحساس المرير‏..‏ إنني أرجوك أن تنفض عنك غبار الأحزان‏,‏ وأن تنظر إلي الدنيا بعين جديدة غير هذه العين اليأسة‏,‏ وكلي ثقة في أن تتبدل أحزانك علي ما واجهته في حياتك وعلي رحيل والدك إلي أفراح بما أعده الله للصابرين الذين يتقونه في كل خطوة يخطونها‏..‏ فاستبشر خيرا وأسأل الله لك السعادة ولوالدك المغفرة‏..‏ وهو وحده علام الغيوب‏

https://ahram.mam9.com

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى